قول الله عَزَّ و جَلَّ الآنف الذكر إنما هو جزء من الآية المباركة التالية : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ... } [1] .
و هذه الآية و الآيات التي تليها تُشير إلى قصة البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها ، أما قصة هذه البقرة وتفسير هذه الآية فهو يتضح من خلال التدبر في الآيات التالية .
أما الآيات التي تحدثت عن قصة البقرة فهي :
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً [2] قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ [3] قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ [4] وَلاَ بِكْرٌ [5] عَوَانٌ [6] بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ [7] لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [8] * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا [9] وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ [10] وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ [11] لاَّ شِيَةَ [12] فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [13] فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ [14] * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ [15] بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [16] .
قصة البقرة :
أما خلاصة قصة البقرة كما جاءت في القرآن و أشارت إليها الأحاديث فهي كالتالي :
إن رجلاً من بني إسرائيل قتل رجلاً من قرابته طمعاً في ارثه أو لأن المقتول امتنع من أن يزوّجه ابنته ، أما القاتل فبعد أن قتل ذلك الرجل أتى به ورماه في الطريق و تظاهر بالبكاء عليه ، و صار يطالب الأبرياء بدمه ، و تطور الأمر حتى كادت الفتنة تقع ، فتحاكم بنو إسرائيل إلى النبي موسى ( عليه السَّلام ) فأمرهم موسى بأمر من الله أن يذبحوا بقرةً ، بعد أن دفع كُل واحدٍ منهم التهمة عن نفسه و اتهم بالجريمة شخصاً آخر ، و كاد دم المقتول يذهب ، فتعجب القوم و أكثروا السؤال حول مواصفات البقرة المراد ذبحها ، و كلما كرروا السؤال كلما زادت الشروط و صعُب تحصيل البقرة الموصوفة ، و بعد الجهد و المتابعة وجدوا البقرة بأوصافها المذكورة و اضطروا إلى شرائها بثمن باهظ جداً ، ثم أنهم عملوا كما أمرهم النبي موسى ( عليه السَّلام ) أي ضربوا الميت بجزء من البقرة المذبوحة فأحيا الله المقتول ، ثم أن المقتول أرشد الناس إلى القاتل و سمَّاه باسمه ، و هكذا انكشفت الحقيقة التي كانوا يخفونها و ذلك بصورة إعجازية .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 67 .
[2] أي تسخر منا ، حيث سألناك عن القتيل فتأمرنا بذبح بقرة ! .
[3] كان سؤالهم عن سن البقرة ، و هذا مما يظهر من الجواب .
[4] الفارض : الكبيرة الهرمة .
[5] البكر : الصغيرة .
[6] عوان : ما بين الكبيرة والصغيرة .
[7] فاقع : أي شديدة الصفرة .
[8] أي تعجب الناظرين .
[9] أي اشتبهت علينا أوصاف البقرة .
[10] أي لم يذلّلها العمل بإثارة الأرض بأظلافها .
[11] أي بريئة من العيوب .
[12] أي لا وَضَحَ فيها يخالف لون جلدها ، و الوَضَح هو البياض .
[13] أي ظهر لنا الحق .
[14] أي قرب أن لا يفعلوا ، و ذلك إما للخوف من فضيحة القاتل ، أو لغلاء ثمن البقرة .
[15] أي اضربوا القتيل ببعض البقرة .
[16] سورة البقرة ( 2 ) ، الآيات : 67 / 73 .